LightReader

Chapter 44 - الحقيقة

(داخل حصن الكاتوران)

سقط ايثان بقوة على الارض عن طريق الخطأ،من ما ترتب عنه جروح خفيفة في ذراعه،و دخول بعض التلج في عينيه.

حك ايثان عينيه بسرعة محاولا ازالة التراب منهما،فتح عينيه ببطئ ليجد نفسه امام مجموعة من الاكواخ المهترئة،المصنوعة من البلاستيك المتسخ و الخردة العشوائية،و كل كوخ بعيد عن الاخر بمسافة شاسعة،مع اصوات حديث ضعيفة الصوت.

و اثناء تمعنه بالمكان مدت جيني يدها نحوه مساعدتا اياه على الوقوف،كانت يدها مرتجفة، ووجهها شاحب، تحمل آثار الإرهاق والخوف،لكنها حاولت اخفاء تلك المشاعر.

حكت رأسها بهدوء قبل ان تهمس بنبرة ضعيفة"هل انت بخير؟"

حرك ايثان عينيه ناحية جرحه الحديث في ذراعه اليسرى لبرهة لكنه اشر لها بأنه بخير.

ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه جيني لترد عليه رافعتا إبهامها مقلدتا ايثان"جيد اذا!"

بنسبة لنيكولاس،كان ينظر بتمعن للمكان،بعينين واسعتين ممزوجة بالاستغراب هامسا لنفسه"منذ متى هذا المكان موجود؟"

ليرد عليه جوزيف بعدما صفعه في ضهره مازحا"لا يوجد شيئ يبقا كما هو لمدة طويلة كما تعلم"

تقدم نيكولاس اكثر داخل المكان،ينظر يمينا و شمالا بحذر.

توقف امام احد الاكواخ اخذا نظرة اكثر تفحصا للمكان،قاصدا نظره ناحية احد الزوايا التي تصدر فيها اصوات الحديث.

احكم قبضته على بندقيته،عروق يده واضحة،و عينياه تفيضان بالحقد،قائلا بداخل نفسه"علي ان اهدئ،ترك مشاعري تسيطر علي لن يجلب لنا سوا مشاكل زائدة،حسب الظلال،فهناك على الاقل 3 منهم،استعمالي للبندقية لن يجذب سوا الانتباه،و لن استطيع قتل 3 اشخاص بالوقت المناسب دون ان يقوم واحد منهم بتنبيه البقية،دون ان انسى انه من الممكن ان هناك اكثر من 3 لكنني لا اراهم"

تنهد بقلق ثم التف ناحية جوزيف الذي كان جالسا على الارض،متكأً على قبضته،بينما ينظر ناحية نيكولاس بأعين تعبة.

استدار نيكولاس ناحيته ليهمس له"اتبعني،واخبر البقية بفعل المثل"

تنهد جوزيف بضجر،لكنه التفت ناحية جيني و ايثان مأشراً لهم بالتحرك.

ليبدأ الاربعة بالتقدم اكثر فأكثر،مختبئا خلف الاكواخ بخطوات حذرة،كان الجميع منزعجين من الرائحة الكريهة واضعين اياديهم على انوفهم،بإستثناء نيكولاس الذي كان معتادا على هذا.

همس جوزيف بينما ينش بيده محاولا ابعاد الرائحة"اععع سوف اختنق من الرائحة!"

ليرد عليه نيكولاس بينما يتفحص امان المكان"فقط اصمتنا و استمر بالتقدم"

اقترب نيكولاس أكثر، متسللًا بجانب جدار الكوخ، حتى أصبح على بعد أمتار قليلة من الزاوية. من خلال شق ضيق في الجدار البلاستيكي المتآكل استطاع اخيرا رأية شكلهم الحقيقي.

فجأة توسعت عيناه في صدمة،و دقات قلبه بدأت بالارتفاع،و كأنه رأ العجب العجاب.

ابتعد عن الفتحة بفزع،و ملامح الصدمة لم تفارق وجهه،من ما دفع البقية للقلق.

تقدمت جيني ناحيته واضعتا يدها على كتفه قائلتا بإستغراب ممزوج بالخوف"نيكولاس!مذا حدث؟اهناك مشكلة؟"

لكن نيكولاس ظل ساكنا دون نطق حرف،من ما زاد من قلقها.

اقترب جوزيف ناحيته قائلا بمزيج من التوتر و الانزعاج"ما بالك يا رجل؟ااكل القط لسانك؟اذا كان هناك خطر فأخبرنا قبل ان يجدنا"

فجأة بدأ نيكولاس بالمشي للأمام متجها ناحية من ظن سابقا انهم اعدائه،متجاهلا تحذيرات جيني و جوزيف القلقة.

خرج من ظلال الكوخ القديم،كاشفا نفسه امامهم.

 3 رجال سود.جميعهم يرتدون قميصا ابيض ممزق متسخ بمختلف البقع،ذو جينز قديم مقطع.

واحد ذو شعر اسود متشابك وغير مرتب،فيه شعرات بيضاء في مختلف انحائه،،مع ندوب بارزة على جبهته،بعينين سوداوتان.

و اخر اصلع الرأس،وجهه محروق من نصفه الايمن،ذو لحية خفيفة،و عينان واسعتان سوداوتان.

و الاخير ذو شعر طويل،اكثر تنظيما من بقيتهم،ملفوف من وراء بمشبك لشعر،فيه خطوط بيضاء في شعره،الغرض منها زينة،مقفل عينه اليسرى رغم كونها غير مصابة بأي شيئ من الخارج،في خده خط بسيط باللون الابيض.

فور اقتراب نيكولاس نحوهم،توقفو عن حديثهم ناظرين اليه بمزيج من الاستغراب و القلق.

قال احد منهم هامسا لصديقه بنبرة حادة،ايقاعها سريع"هي!ليور!من هذا الزنجي لم اره هنا من قبل"

رد عليه الاخر بينما يتفحص نيكولاس بشكل ادق،و في عينه الشك"لا اعرف انا الاخر يا رجل،مثلي مثلك"

ليرد عليه الاول و نبرته تصبح اكثر حيرة"بجديييةةةة!من المستحيل يا رجل ان يكون هذا الزنجي جديدا،لم يتم اعلاننا بأي شيئ!"

في نفس الوقت كان صديقهم الاصلع يراقب نيكولاس الذي لازال ينظر اليهم بنظاراته الغريبة من ما زرع عدم الارتياح و شك في نفسه.

نهض الاصلع من على الجدارمستديرا ناحية نيكولاس،بينما يرتفع حاجباه عاليًا كقوسين يهزأن بالجدية.

ليصرخ عليه موجها اصبعه ناحيته بغضب"ما بال تلك النظرات اتريد القتال ايها الاحمق؟"

ليستفيق الاخير فجأة من حالته،رفع يديه بالهواء محاولا تهدئة الامور قبل حصول اي مشكلة،وفي وجهه تعبير من الصدمة الممزوج بالسعادة.

قائلا و الابتسامة ظاهرة في شفتيه"تمهل يا صاح لا داعي لأن يكون لقائنا الاول هكذا كارل!"

رفع الاصلع عاجبه بإستغراب ممزوج الدهشة،بينما نظر صديقاه الاخران لبعضهما البعض لعدة ثواني قبل ان يرجعو لنظر ناحيتهم من جديد.

قفز صديقهم الاخر ناحية نيكولاس،رافعا حاجبه بإستغراب غريب ناظرا اليه بعينين حادتان،و قطرات من اللعاب يخرج من فمه اثناء حديثه"اولا قبل كل شيئ من انت ايها الزنجي؟!"ثانيا كيف عرفت اسم صديقنا؟لم نر وجهك الاسود هذا بأي مكان لكي تعرفنا!"

اغلق نيكولاس قبضته مخرجا فقط ابهامه،ليأشر ناحية نفسه قائلا بنبرة مرتجفة تحمل لمحة سعادة خفية"أنا نيكولاس يا رجال!صديقكم القديم!"

ليعم الصمت لبرهة فور انتهائه من كلامه،الكل ينظر الا من حوله بإستغراب و شك.

فجأة نطق كارل و في وجهه خليط من الغضب الممزوج الشك"نيكولاس؟اذا كانت هاته مزحة من نوع ما فالامر غير مضحك،فنيكولاس قد مات منذ سنوات..."

تقدم ليور ناحية كارل بهدوء،متفحصا نيكولاس بشكل اكثر دقة،ليقول بعدها و الشك يملئ صدره"رويدك كارل،لم نرا هذا الشخص في اي مكان،رغم اننا نعرف كل زنجي بالمكان،لكنني اشك في انه فقط واحد من الزنوج قام بتغيير ملابسه محاولا خداعنا،لذالك يا من يقول انه نيكولاس،اعطنا شيئاً لا يمكن لأي احد غير نيكولاس معرفته ان كنت صادقا"

ليرد عليه نيكولاس بسرعة و على وجهه ابتسامة خبيثة"لاتينا...الا تتذكر هذا ليور؟"

لتتوسع عيون ليور فجأة في صدمة،مهبطا وجهه في خجل و كأنه تذكر شيئا ما.

ارجع عيناه ببطئ،بمزيج من الدهشة و الاعتراف قائلا"نيكولاس!انه هو حقا!"

التف صديقهم الاخر الا ليور و في وجهه استغراب ملحوظ،ليقول له بنبرته السريعى"ما الذي تقصده بأنه نيكولاس؟!،كيف اقنعك بهاته السرعة يا كلب"

ليرد عليه ليور بينما يحك رأسه بتوتر"هههه حسنا...مجرد موقف لا يعرفه سوا كلانا"

فجأة اثناء حديثهم،اقترب كارل ناحية نيكولاس،و بحركة سريعة،وضع ذراعه حول مؤخرة عنقه،متبثا نيكولاس بقوة و الابتسامة تشق وجهه.

قائلا بنبرة مليئة بالسعادة"نيكولاسسس ايها الحقير!،الا تعلم كم من الحزن احسسنا به تجاه موتك؟!"

تقدم كلاً من ليور و صديقه الاخر ناحيتهما،كلاهما مسروران برأية صديقهما القديم على قيد الحياة.

رد عليه نيكولاس و الابتسامة لا تفارق وجهه"توقف يا رجل هذا محرج"

ليرد عليه ليور بنبرة ساخرة"ما الذي تريده ان يفعل؟هذا رد فعل طبيعي عند رأية شخص ما ظننته ميتا"

دعم صديقه الاخر كلام صديقه قائلا"هذا صحيح يا زنجي،الان اخبرنا ما الذي حدث لك بالضبط يا رجل؟لقد اختفيت فجأة!"

رد عليه نيكولاس"اظن انه واضح،لقد هربت"

خفف كارل ضغط دراعه قليلا على نيكولاس،ليرد عليه و في ملامحه الاستغراب"لكن كيف يا رجل؟لا توجد طريقة للهروب من هنا الا من خلال تسلق الجدران،و انت ترا كم هي شاهقة اصلا"

حك نيكولاس رأسه بهزلية قائلا بنبرة حازمة"القصة طويلة،لكن اختصارها انني حفرت الا ان استطعت الهروب"

نظر الثلاثي الا بعضهم البعض بأعين شبه مغلقة،مشتددين على شفاههم بينما يرددون في نفس الوقت اثناء ما يقومون بتحريك رأسهم"هم،هم،هم،هم"

ليبادر ليور بالكلام"همم منطقي،فقد كنت صغير الحجم وقتها،لذا الامر كان ليعمل حقا،ما رأيك سامويل؟"

ليجاوبه الاخير قائلا"لا اعرف يا كلب،المهم ان هذا الزنجي لازال حياً،و الان هيا بنا لنعلم هاته القرية اللع*نة عن قدوم صديقنا قبل ان يشكل الحراس مجددا في اننا نحاول الهروب"

ليرد عليه نيكولاس و في وجهه ابتسامة مناقضة للجدية في كلامه"لا تقلق هم لن يشكو بعد الان،بل سوف يتأكدون"

لتظهر ملامح الاستغراب على الثلاثي،ليجاوبه سامويل بعدها رافعا حاجبيه في حيرة"بجدية ما الذي تقصده؟"

شد نيكولاس على حاجبيه اكثر،بينما تتصاعد الجدية على مرأه"ما الذي اعنيه؟يا رجل لمذا تظن انني قدمت الا هنا بالمقام الاول؟لقد جأت لتحريركم ايها الحمقى"

ساد الصمت المكان للحظة بعد كلمات نيكولاس، عيون الثلاثي تتسع في دهشة وصدمة.

تقدم ليور ناحية نيكولاس و على مرأه الجدية التامة،وضع يديع على كتفي نيكولاس بادئا بالكلام"احم،نيكولاس انا اقدر عودتك بعد كل هاته السنين لمساعدتنا،و لكن لا يسعني الا ان اسأل،ااتيت بخطة فعلية للهروب،او فقط اتيت فقط بدافع عاطفي؟"

رد عليه نيكولاس متقبلا قلقه حيال الامر"لو لم أاتي مستعدا،لما تطلب الامر مني كل تلك السنين للقدوم"

لتبرز ابتسامة بسيطة على وجه ليور،الذي طبطب على كتف نيكولاس قائلا قبل ان يستدير و يبدأ المشي"جيد،اذا نحن نعتمد عليك"

بينما استمر نيكولاس بالتحديث به،و مختلف مشاعر السعادة تتجذر في نفسه،رادا عليه"لن اخون تقتك يا اخي"

فجأة اثناء حديثهم،خرج ابطالنا الثلاثة،ايثان،جيني،جوزيف من مكان اختبائهم بعد معرفتهم لأمان المكان.

التف الثلاثي ناحيتهم في فزع و خوف،معتقدين انهم من كاتوران.

قال كارل بنبرة مليئة بالقلق"اوه!السادة...اههههه اتحتاجون المساعدة؟"

فور انتهائه من كلامه،انفجر كلاً من نيكولاس و جوزيف بالضحك،تاركين بقيتهم في حيرة و استغراب من ما يحدث.

همس سامويل ناحية نيكولاس محذرا اياه"ياها الدا*عر اسنوات الحرية انستك عواقب عدم التحكم في نفسك؟؟!! انهم الكاتوران ايها الزنجي،اصمت او سوف نموت"

خف ضحك نيكولاس قليلا،ثم رد عليه بينما يمسح الدموع من عينيه"هيهي،لا داعي للخوف،انهم اصدقائي ليسو هائلاء الدع*رة،لقد اتو للمساعدة"

رفعت جيني يدها ناحيتهم ملوحةً بلطف"مرحبا..."

صوتها الهادئ يحمل لمحة من الارتياح، بينما تقدمت بخطوات مترددة نحو المجموعة،ليتبعها البقية بهدوء، عيونهم تتفحصان الثلاثي بمزيج من الحذر والفضول.

زفر الثلاثي بإرتياح،تكلم كارل واضعا يده على صدره بإرتياح"اللع*ة قلبي كان سيسقط في مؤخرتي"

رد عليه ليور"كلنا يا رجل"

ضحك نيكولاس عليه لعدة ثواني قبل ان يقول لهم بنبرة حازمة مليئة بالحماس"دعونا لا نضيع الوقت اكثر و خذوني عند السكان،هناك الكثير من من اريد ان التقي به"

كارل، بعد أن استعاد أنفاسه، أومأ برأسه ببطء،ثم بدأ بالمشي قاصدا احد زوايا المكان.

في الوقت نفسه صرخ سامويل بحماس"اوه اجل!انا متأكد من انهم سينفجرون من الصدمة فور معرفتهم لك"

قال كارل هو الاخر من بعده بإبتسامة خفيفة"اوافقك الرأي،متشوق لرأية ردة فعلهم"

اثناء سيرهم،كان ايثان بجانب ليور،ماشيا بصمته المعتاد،بينما يحدق للمكان بفضول.

حرك ليور رأسه تجاهه للحظة بصمت،قبل ان يبدأ بالحديث معه"اذا انت من سكان العالم الخارجي...لقد سمعت الكثير عنه بسبب تنصصي على كلام الكاتوران،سمعت انه خطير،مدمر،كل شيئ يحاول قتلك،لكني لطالما شككت بمصداقيتها نظرا لأنني لم اخرج ابدا من هذا المكان،لذاا...اكل هذا صحيح؟"

التف ايثان اليه بهدوء،تفحصه قليلا،قبل ان يأشر له بنعم.

حك ليور خده بإستغراب،ثم اكمل كلامه"همم،الا تريد الكلام؟"

فجأة تدخلت جيني فيما بينهم قائلتا بنبرة فيها نوع من القلق"لا تفهمه خاطئا من فضلك،انه فقط لا يستطيع الكلام"

نظر ليور اليها للحظات،ثم أومأ برأسه ببطء مع ابتسامة خفيفة"حسنًا، لا بأس، شكرًا للتوضيح..."

بقي صامتا لبضعة لحظات،قبل ان يوجه كلامه لجيني"هممم،اخبريني يا فتاة،كيف تعرفتم على نيكولاس بالضبط؟"

ترددت جيني بالبداية،لكنها بادرت بحكي قصة لقائهم بشكل مختصر،من ما ابهر ليور و بقية اصدقائه الذين كانو يستمعون.

اطلق ليور ضحكة خفيفة،قائلا بحماسة موجها كلامه لنيكولاس"يبدو انك عشت مغامرة حقيقية بالخارج يا صاح"

رد عليه الاخير بمزيج من الهزلية و السعادة"صحيح،لكن لم يكن كل شيئ فيها جيدا كما تعتقد"

فجأة توقف ليور عن المشي،منبها نيكولاس"لقد وصلنا"

تقدم الاخير ناحيته و الابتسامة لا تفارق وجهه،ليجد المكان عبارة عن نفس تلك الاكواخ،منظمة في شكل دائري.

الاطفال يلعبون،و النساء و الرجال يدردشون فيما بينهم،كل واحد منهم مهتم بشؤونه الخاصة.

و في منتصف المكان،شجرة ميتة،معلق فيها اكياس سوداء،مجهولة محتواها.

التف جميع من كان معه ناحية نيكولاس،ليجدوه يتأمل بالمكان،بفم شبه مفتوح,عيناه السوداوان تلمعان بمزيج من الدهشة والحنين. وقف ثابتًا كأنه يحاول استيعاب كل التفاصيل.

مر طفل صغير كان يلعب مع احد اصدقائه من امامهم،مد سامويل يده ناحيته موقفا اياه في مكانه.

انحنى اليه بهدوء ثم قال له بنبرة اشبه بالتهديد"حرك م*خؤرك الصغيرة و نادي الجميع للقدوم"

هز الطفل رأسه في خوف بنعم،ليبدأ بالركض نحو الاكواخ بسرعة.

نظر كارل ناحية سامويل بعينين غاضبتين موبخا اياه"ايها الزنجي مذا قلت لك عن اخافة الاطفال؟"

ليرد عليه الاخير بينما يتمدد بلا مبالات"يا رجل دع الفرخ الصغير يسهل علينا العمل،ليس و كأن لديه شيئا مهما لفعله غير اللعب"

بعد لحظات، بدأت أصوات خطوات متسارعة تنبعث من داخل الأكواخ، وسرعان ما ظهرت مجموعة من الرجال والنساء، عيونهم مليئة بالفضول والقلق.

 تقدم رجل عجوز، وجهه محفور بالتجاعيد وشعره الأبيض يتطاير مع الريح،ثم قال بنبرة منهكة في طياتها القلق"ما المشكلة الان؟اتم استدعائنا منهم مجددا؟"

بعد انتهائه من كلامه،انتبه فجأة لنيكولاس الذي كان ينظر اليه بنظرات غريب،من ما زرع القلق و الاستغراب في نفسه،لكي يكمل كلامه بعدها مباشرة"بالاضافة من هذا الطفل؟لم اراه ابدا بالمكان؟"

اقترب سامويل ناحية نيكولاس،متكاً على كتفه،و في وجهه ابتسامة كبيرة قائلا بكل عفوية"بجدية يا جدي الم تستطع التعرف عليه؟،تصفيفة شعره،عين عمياء مجروحة،ووجه قبيح،هيا فل تخمن!"

حك العجوز عيناه في ضجر،محركا رأسه يمينا يسارا،قائلا"ليس لدي وقت لألعابكم السخيفة يا اطفال،اختصرو علي الامر لكي ارجع لعملي"

تقدم نيكولاس ناحية العجوز ماداً ذراعه للمصافحة،ليقول له بمزيج من السعادة و الهدوء"لم أرك منذ فترة طويلة،ايها الجد"

احس العجوز ببعض الاستغراب،لكنه رد المصافحة لنيكولاس و على وجهه ابتسامة طفيفة،ليرد عليه بعدها"ااعرفك ايها الصغير؟"

أومأ نيكولاس برأسه ببطء، ثم أضاف بنبرة عاطفية"انه انا نيكولاس،إن كنت لا تزال تتذكرني"

توسعت عينى العجوز للحظة،ليبدأ بتفحص الاخير من اعلى رأسه الا اسفل قدمه،مستجرعا في نفس الوقت صورا طفولية لنيكولاس في دماغه"تصفيفة الشعر لا تزال نفسها و لديه عين عمياء سببها له احد ابناء الكاتوران...لم يختلف كثيرا عن طفولته،سوا انه اصبح اكثر رجولة"

ببطئ ابتدئت ملامح الصدمة ترتسم على وجهه،ليسئله بمزيج من الاستغراب و الصدمة"نيكولاس!!لكن من المفترض انك ميت منذ سنوات!لقد رأيناهم يأخذون الجثة حتى!"عيناه اللتين كانتا تفحصان نيكولاس بدأتا تلمعان بدموع خفية، وهو يمسك بذراعه بقوة كأنه يخشى أن يختفي مجددًا.

توقف نيكولاس للحظة، ابتسامته تتلاشى قليلًا، ثم أجاب بنبرة عاطفية مرتجفة"لا بد انهم زَورو الجثة فقط،لكن ذالك ليس مهما بعد الان،لقد جأت لإنقاذكم ما هذا المكان"

مجموعة من الرجال،مظهرهم يوحي على انهم بنفس عمر نيكولاس،انطلقو بسرعة ناحيته،مرحبين بقدومه احر ترحيب،بعضهم بكي من السعادة،و البعض احتضنه بحرارة،و كل شخص رحب بقدومه بطريقته الخاصة،ليمتزج صوت البكاء و الفرح في الهواء.

 بينما كان نيكولاس ينظر إليهم بعينين مبهجتين، يرد على احتضانهم بابتسامة متعبة لكنها مليئة بالفرح.

قال احد اصدقائه باكيا"يا رجل انت لاتعرف مقدار الفرحة التي احس بها الان!رأية صديق ميت حياً امامي!"

في الوقت ذاته كان ايثان يراقبهم من بعيد،يرا صديقه الذي كان الغضب دائما يرافق عينيه،سعيدا سعادتا حقيقية،رغم انه ليست له اي علاقة به او بهم،لكنه لم يستطع منع نفسه من الفرحة لصديقه مبتسما ابتسامة صادقة.

بالجوار سمع ايثان صوت ليور من جانبه يقول بهدوء"رغم عناء البقاء في هذا المكان الل*عين،لازال بإمكاننا صنع لحظاتنا السعيدة رغم ندرة حدوثها،و لكن اليس هذا ما يعطي هاته اللحظات قيمتها بالاصل؟"عيناه اللتين كانتا تنظران إلى المشهد أمامهما تحملان مزيجًا من الحنين والأمل، بينما كان يراقب نيكولاس وأصدقاءه يتبادلون الضحكات والدموع،في حين ما تخللت في قلب ايثان مشاعر السعادة والتعلق اكثر ناحية الجميع فور سماع كلمات ليور.

فجأة سمع صراخ من بعيد اثناء لحظتهم"ما الذي تفعلونه ايها العبيد؟"

التف الجميع ناحية مصدر صوت،ليجدو 3 حراس كاتوريين يتوجهون ناحيتهم بخطوات متعمدة،أسلحتهم مشدودة في أيديهم، ووجوههم مخبئة خلف اقنعة بيضاء،فيها شعارهم في منتصفها.انتشرت موجة من القلق والرهبة بين الحاضرين، وهمسات الخوف بدأت تتصاعد بين السكان.

تحولت ملامح نيكولاس للغضب فجأة، عيناه اللتين كانتا تلمعان بالفرح أصبحتا مشتعلتين بنظرة حادة،احكم مسكته على سلاحه،مستعدا للهجوم في اية لحظة.

و لكن،و قبل ان تتاح له الفرصة لفعل اي شيئ،تم امساك ذراعه بقوة من قبل كارل،ساحبا اياه بقوة ناحية احد المخيمات.

بينما تجمع بقية اصدقائه خلفهم بشكل متكدس محاولين اخفاء هروبهم.

حاول نيكولاس ازالة ذراع كارل،قائلا بعصبية"اتركني استطيع تولي امرهم"

ليأتي بعدها سامويل دافعا نيكولاس للأمام،قائلا بصوته المعتاد"يا زنجي فل تصمت و تتحرك"

ليقومو بالقوة بأخذه ناحية احد الاكواخ القريبة هو و اصدقائه.

فور دخلوهم ابتعد نيكولاس من كارل بعصبية موجها اصبعه ناحيته بوجه مشدود"ما مشكلتكم يا رفاق؟!لقد اخبرتكم انني استطيع التعامل مع الامر"

هز كارل يديه بودية محاولا تهدئته،ثم رد عليه بهدوء و بوجهه الهدوء"اهدأ يا زنجي،نحن فقط نتجنب المشاكل الغير ضرورية،بالاضافة الا اننا لازلنا لم نفرح بك بالكامل بعد،لا يمكنك الموت بهاته البساطة".

عيناه اللتين كانتا تحملان الجدية التقيا بنظرة نيكولاس المشتعلة، محاولًا إقناعه.

قبض نيكولاس على قبضه بقوة،لدرجة ان العروق بدأت بالبروز،غز على اسنانه بعصبية مفرطة رادا عليه و نبرته تحمل نوعا من الجنون الممزوج الغضب"اموت؟هههههههه،انا؟لقد كرست حياتي لهذا ايها الدا*عر،كل يوم من حياتي اللع*نة كرست لهدف واحد،و هي طمس الكاتوران من الوجود،فإن لم اكن قادرا على فعل هذا فلن يكون لقدومي اي فائدة تذكر،في ذالك العالم الوحشي خارج اسوار الظلم هاته،لم يساعدني شيئٌ في نجاتي الا غضبي الا متناهي تجاه الكاتوران_"

فجأة اثناء كلامه،سددت ضربة قوية على بطنه،لكنها لم تأثر عليه نظرا لأن ملابسه مدرعة من الداخل.

نظر نيكولاس بصدمة ناحية الضارب،ليجده ليور التي طغت عليه ملامح الجدية.

ارجع ليور قبضته للوراء ببطئ،ليقول بعدها بنبرة مليئة بالجدية و التوبيخ"ايها الاحمق سيطر على غضبك،اتظن مثلا انك قادر على الاطاحة بهم ثلاثتهم دون ان ينتبه البقية لك؟حتى لو كنت قادرا على قتالهم فالكاتوران سوف يستهدفون بقيتنا ضانين اننا نحاول الانقلاب،و سيبدئون بقتلنا دون رحمة،لذا ايها الغبي ضع مؤخرتك الحقيرة ارضا الا ان ينتهي الامر!"

توقف نيكولاس للحظة، يتنفس بصعوبة، عيناه لا تزالان مشتعلتين بالغضب، لكنه شعر بنوع من الرجفة داخليًا أمام كلمات ليور الصادمة. أرخ من قبضته تدريجيًا،ثم استلقى على الارض بصمت.

علق مالوير من بعيد و على وجهه الاستغراب و الصدمة"كان هذا سريعا..."

تنهد ليور في تعب بينما ينظر الا نيكولاس مفكرا"اللع*ة من تصرفه الحالي لا بد انه لا يمتلك خطة فعلية بعد،نحن بحاجة إلى استراتيجية، وليس مجرد غضب أعمى، أو سنكون جميعًا في خطر حقيقي."

بعد مدة ليست بقليلة، دُفعت الستارة كاشفةً عن الجد الذي دخل بخطوات متعثرة، وجهه محفورة به ابتسامة خفيفة.

فور دخوله قال بنبرة مرهقة"الوضع امن الان،بإمكانكم الخروج"

نهض نيكولاس ببطء من الأرض، يتنفس بعمق لتهدئة نفسه،لينهض البقية من بعده خارجين من المكان.

و لكن قبل ان يخرج نيكولاس من الكوخ،تم امساك ذراعه من قبل العجوز من ما جعله يلتف اليه بإستغراب.

نطق العجوز مباشرة بنبرة متعبة"ايمكنك البقاء معي للقليل من الوقت،اريد حديثا بسيطا معك"

زفر نيكولاس على مضض ثم رجع ليجلس في مكانه امام العجوز.

بادر العجوز بالكلام"اوه انظر اليك!لقد اصبحت رجلا بالغا قويا!"

ليرد عليه الاخير و على وجهه ابتسامة خفيفة"شكرا لك يا جد"

اكمل العجوز كلامه"لقد لاحظت انك احضرت احضرت اصدقائك من العالم الخارجي لهنا،لا بد ان المكان بالخارج قد اصبح افضل قليلا عن ما سبق اصحيح هذا؟"

جاوبه نيكولاس بينما يحك عنقه و الجدية بدأت بالضهور في كلامه"اسف لإخبارك،لكن الوضع بالخارج اخطر من ما تتوقع،كل شيئ عبارة عن خراب تام مليئٍ بالوحوش،لقد بادرني فقط الحظ لوصولي لمنطقة امنة وسط كل تلك الفوضى"

اغمض الاخير عيناه بهدوء،صامتا لعدة ثواني و كأنه يفكر في شيئ ما،الا ان بدأ بالحديث قائلا و في نبرته الجدية"نيكولاس،اظنك ذكرت سابقا انك تريد تحريرنا من عبودية الكاتوران..."

ليرد عليه نيكولاس مأكدا كلامه"اجل،و سأتأكد من حدوث ذالك_"

فجأة قاطعه العجوز رافعًا يده ببطء كأنه يطلب الهدوء، وقال بنبرة متعبة لكنها حازمة"اجل سوف تفعل...لكني اخشى ان ليس الجميع قد يرغب في هذا"

لتظهر ملامح الصدمة و الاستغراب على وجه نيكولاس ليقول بعدها بإنفعال"ما_ما الذي تقوله؟اليس هذا ما يوده الجميع منذ سنين؟"

رد عليه العجوز بعدما فتح عينيه و نظر ناحيته بعيونه المهترئة قائلا"اسف انا اعرف انك اتيت كل هاته الطريق من اجل انقاذنا،لكن فكر في الامر،العالم بالخارج قد دمر منذ وقت طويل،الوحوش في كل شبر من المدن، و الاراضي ميتة،و الامان معدوم،حتى لو استطعنا الهروب فلن يكون بإنتظارنا سوا جحيم جديد اسوء من القديم،على الاقل هنا يتم توفير الطعام و المجلئ لنا،حتى لو على حساب حريتنا،و معضم البالغين هنا يعرفون هاته الحقيقة،إنهم يفضلون البقاء تحت سيطرة الكاتوران بدلاً من المخاطرة بحياتهم وأرواح أطفالهم في عالم لا يرحم."

ضرب نيكولاس الأرض بيده في غضب خفيف، عيناه مشتعلتين بالإصرار والألم،قائلا بمزيج من الحسرة و الغضب"تقصد انكم اصبحتم خاضعين لتلك الحيوانات؟،تقبلتم العبودية بأيدٍ مفتوحة فقط لأنكم خائفون من العالم؟كم هذا سخيف!"

شد العجوز حاجبيه في غضب،موجها عصاه ناحيته قائلا بعصبية"ما بالك تكلمني بهذا الاسلوب؟اانساك العيش خارجا احترام الكبار سناً ام مذا؟"

نهض نيكولاس من على الارض بضجر،محدقا ناحية العجوز بعيون مليئة بالكراهية و خيبة الامل قائلا بينما يصوب اصبعه ناحيته"احترمك من اجل مذا؟من اجل انك مجرد خائف عديم الكرامة؟لقد استسلمت لتلك الحيوانات و تريدني ان استسلم انا الاخر مثل الداعر؟قطعا لا!"

ضرب العجوز بعصاه الارض و عيناه تلمعان بغضب مختلط بالالم، وقال بصوت عالٍ مليء بالسخط"أنت لا تفهم! لقد عشنا هنا سنوات طويلة،نعرف فقط الزراعة،و بالكاد يعرف احدنا استعمال الاسلحة،اجسادنا ضعيفة،و كل من هنا قد اعتاد على هذا المكان بالفعل،فكيف لهم ان يعيشو في بيئة مختلفة تماما عن بيئتهم الاصلية في يوم و ليلة؟الحياة خارجا ليست لنا ايها الابله!خاصتا من ولدو هنا"

توقف العجوز ليستعيد أنفاسه، وهو يمسك عصاه بقوة أكبر كأنها الشيء الوحيد الذي يربطه بالأرض. عيناه، رغم التجاعيد التي تحيط بهما، كانتا تلتمعان بالعناد والحزن.

ليرد عليه نيكولاس"هل تضننا ضعفاء مثلك الان؟لقد اعتدت على الامر و انا بعمر صغير،اتظن البقية لن يستطيعو فعل المثل؟"

ليرد عليه العجوز بصوت مرتجف بينما يسترجع انفاسه،و كأنه لم يعد يستطيع تحمل العصبية"و هل تضننا مثلك؟"

اخذ نيكولاس نفسا عميقا محاولا تهدئة نفسه،اتكأ على الطاولة واضعا يده على وجهه،و الافكار تتشاجر في عقله.

بعد مرور وقت من الهدوء والتفكير،جلس نيكولاس مجددا على الارض،مقابلا العجوز بمزيج من الجدية و الاستياء،ليقول بعدها"مذا لو اخبرتك ان هناك مكان امناً خارج خارج هاته الاسوار؟اسيغير هذا رأيكم ؟"

عدل العجوز جلسته بإهتمام بعد سماع كلمات نيكولاس،رادا عليه"اخرج ما لديك"

اكمل نيكولاس كلامه"قبل عدة اسابيع وجدت قرية صغيرة،تقع على بعد يومين من هذا المكان،الناس هناك طيبون،الشراب و الطعام متوفر،و الاهم من ذالك يوجد الامان...المشكلة الوحيدة ان طريق الوصول اليه سيكون خطيرا"

ليرد عليه العجوز و الصدمة والسرور بدئو بالتشكل في وجهه"منطقة امنة بالخارج تقول،همممممممم،قل هذا من البداية ايها الاحمق،انا معك"

أكد نيكولاس كلامه قائلا"سوف اعيدها مجددا،الطريق للوصول الا هناك ليست امنة"

رد عليه العجوز"بنسبة لي طالما هناك مكان آمن يستحق المخاطرة، فأنا معك، لكن، نيكولاس، لا تتوقع أن يتبعك الجميع بسهولة الناس هنا خائفون، ولهم كل الحق، عليك أن تُظهر لهم أن هذا المكان الذي تتحدث عنه حقيقي، وأن الخطر الذي سيعبرونه يستحق العناء"

هز نيكولاس رأسه بحزم"سأتأكد من ذالك"

فجأة اثناء كلامه،تذكر نيكولاس شيئاً مهما كان يود سئاله اياه"اوه صحيح،ايها العجوز كدت انسا،لم ارا امي بالجوار حتى الان،ايمكنك ان تدلني لمكانها"

ليصدم العجوز مباشرة من سئال نيكولاس،و كأنه لم يكن مستعدا لتلقي هذا السئال بعد.

قطرات العرق بدأت بالتشكل على جبينه،و القلق و الخوف يهيجان في نفسه.

لاحظ نيكولاس ان هناك خطبا ما،من ما دفعه للقلق،ليقول بعدها بمزيج من القلق و الاستغراب"ما بالك ايها العجوز؟احدث لها شيئ ما؟"

لكن العجوز ظل صامتا،و الحسرة و الحزن يزدادان على قلبه.

اقترب نيكولاس بإنفعال ناحية العجوز قائلا له بنبرة مليئة بالقلق و التوتر"لمذا انت صامت؟!لا توترني هكذا و تكلم!"

حرك العجوز وجهه ناحيته ليجده مليئا بالاسى و الحزن،نهظ على قدميه ثم بدأ بالمشي للخارج.

ليصرخ نيكولاس عليه بنبرة فيها نوع من الغضب وسط كومة القلق التي اجتاحت عينيه"جاوبني ايها الداعر!"

ليلوح العجوز له بيده لكي يتبعه،ليستجيب نيكولاس بعدها لندائه،تابعا اياه لخارج الكوخ.

فور خروجهم وجدو العديد من الرجال و النساء متجمعين حول الكوخ متنصصين على حديثهما.

فور رأيتهم لهما يخرجان،بعضهم ابتعد عن مكان بسرعة،و بعضهم بدئو بالهمس فيما بينهم،بينما البعض بقو فقط صامتين،بينما يراقبون ابتعادهم.

كل خطوة للأمام كانت تثقل قلب نيكولاس،الخوف من المجهول...الخوف من ما قد اصاب والدته بدأ بالتجذر في قلبه ببطئ مألم.

اخرج الزهور التي كان يحملها معه في حقيبة بهدوء،متمسكا بها بكل قوته،لم يعرف نيكولاس بالضبط لما فعل هذا،كل زهرة كان قد التقطها من حديقة القرية السابقة، حيث كان يحلم بأن يشاركها معها يومًا ما.

توقف العجوز أخيرًا عند الشجرة الميتة المتمركزة في منتصف المكان.

رفع نيكولاس نظره اليها بهدوء،ليجدها مزينة بأكياس سوداء مربوطة على اغصانها المهترئة،منبعثثا منها رائحة لا تطاق تجوب الاجواء.

ارجع نيكولاس انظاره ناحية العجوز،وهو يشعر بقشعريرة تمر في جسده،عيناه تجمدتا على العجوز، الذي كان يقف بجانب الشجرة الميتة، عيناه محملتان بالحزن العميق وكأنه يحمل ثقل سنوات من الألم.

سأل نيكولاس بنبرة خافتة"ما هذا المكان؟و لمذا احضرتني اليه؟"

أخذ العجوز نفسًا عميقًا، وهو يستند إلى عصاه، ثم رفع عينيه إلى الأكياس السوداء المعلقة على الأغصان. "نيكولاس..." بدأ بصوت مرتجف، وكأن الكلمات تؤلمه"نيكولاس...هذه الشجرة هي المكان الذي يضع فيه الكاتوران من يخرجون عن طاعتهم،او الهاربين من حكمهم...كل من يقبضون عليه،يتم تعذيبه امام الملئ، ثم يتركونه هنا معلقا،تاركينه كعبرة لكل من يفكر بتحديهم"

ليصرخ عليه الاخير بنبرة مليئة بالقلق و الخوف"و ما دخلي في كل هذا؟!اخبرتك اين هي والدتي،و ليس هذا!"

امسك العجوز نفسه و كأنه يحاول منع نفسه من الانهيار قائلا دون النظر الا عينيه مباشرة"اسف يا صغير...لكنك تعرف بالفعل ما الذي حدث لوالدتك من ما قلته لك"

توقف نيكولاس عن التنفس للحظة، وكأن قلبه قد توقف. نظر إلى الأكياس السوداء، ورائحة الموت تملأ رئتيه"م.م.مذا؟"همس بصوت مكسور،بينما ينظر الا الاكياس المعلقة بعدم تصديق.

فجأة، وبدون تفكير، انطلق ناحية الشجرة الميتة،عيناه مشتعلتان بالرعب والأمل الممزوجين،بينما يفكر"لا،لا،لا،لا،لا،هذا مستحيل،لا يمكن ان يحدث هذا..."

فور وصوله،قبض على الاكياس بأطراف اصابعه،ممزقا اياها كاشفاُ عن جثة رجل ميث،لونه شاحب.

لينطلق بعدها،ناحية الكيس الذي بعده،مرة تلو الاخرى،و كل كيس مزقه كان يزيد من ثقل الألم في قلبه.

كل جثة رأها حتى الان،كانت مألوفة و لو قليلا بنسبة له،فقد كانت للهاربين الذين عاش معهم اخر ايامه في حصن الكاتوران سابقا.

صرخ العجوز من بعيد متوسلا من كل قلبه، وهو يحاول اللحاق به بخطواته المتعثرة"نيكولاس ارجوك!فقط توقف،لا تعذب نفسك اكثر من هذا!"،لكن نيكولاس لم يبده اي اهتمام،و وجهه مليئ بقلق مجنون.

وصل أخيرًا إلى كيس أسود معلق في أعلى الشجرة،توقف نيكولاس للحظة، يتنفس بصعوبة، قلبه يدق بعنف كأنه على وشك الانفجار. كانت يداه ترتجفان بشدة، والرائحة النتنة تخنقه، لكنه لم يعد قادرًا على التراجع بينما همس لنفسه"هذا غير حقيقي انها حية بالطبع!".

ليقوم بعدها بتمزيق الكيس الاخير،معلقا كل اماله فيه،تمزق الكيس لقطع،مفصحا عن وجه الجثة التي بداخله،كاشفا عن الحقيقة.

فورما رأا نيكولاس محتوى الكيس،تجمد في مكانه من هول المنظر،. كانت جثة أمه، محفوظة بشكل بشع، وجهها شاحب لكنه لا يزال يحمل ملامحها التي حفرت في ذاكرته،و على جبهتها شعار الكاتوران،محفور في جلدها الميت،كتذكير لمن فعل هذا الفعل.

تنفس نيكولاس بهستيرية بينما ينظر الا جثة امه ميتةً امامه،رفع يديه المرتجفتين بجنون بالقرب من وجهها، و مختلف المشاعر مثل الحزن و الحسرة و البؤس تدمره داخليا اكثر فأكثر.

وضع يديه على خديها الباردتين،وكأنه يحاول، بطريقة يائسة، أن يشعر بدفء حياتها مرة أخرى. لكن البرودة القاسية لجلدها الميت كانت بمثابة طعنة أخرى في قلبه،ليهمس بعدها بصوت مكبوت و كأنه على وشك الانهيار"امي....".

سقط الاخير على ركبته،تاركا يديه معلقين في الهواء،و ملامح الصدمة تجمدت على وجهه.

اهبط يديه بهدوء ناحية مرأا عينيه،ناظرا اليهما لبضعة ثواني،لينهار فجأة بالبكاء و الصراخ.

صراخٌ يحمل الحزن والحسرة والبؤس، مزيجًا من الكمد الذي يفتت روحه.

الجموع البعيدة، التي كانت تراقب من بعيد، توقفت عن الهمس. ساد صمت ثقيل، كأن الجميع شعروا بثقل لحظته،اما بقية من كانو بالمكان تجمعو حول نيكولاس بإستغراب،غير مدركين لألمه.

من بينهم كان كل من ليور و ايثان و بقية من كانو معه يشاهدونه من بعيد.

في حين ما كان ايثان و جيني ينظران اليه في حيرة،قلقين من ان شيئا ما حدث له،كان ليور و سامويل و كارل،يراقبونه في حسرة،و قلوبهم تعتصر بالحزن نحو صديقهم القديم،مدركين حجم المعانات التي يعيشها حاليا.

بشكل مفاجئ،زحف نيكولاس ناحية الشجرة بألم،الا ان اقترب منها بشكل ملحوض،ليبدأ مباشرة بلكم الشجرة ضربة بعد الاخرى،بكل ما اتيحت له من قوة،مفرغا مشاعره في قبضاته.

كل ضرب كانت تحمل معها الماً رهيبا،و كل لكمة كانت محاولة يائسة لتمزيق الحقيقة القاسية التي واجهها.

الدماء بدأت بالتسرب من مفاصل يديه،لكن ذالك لم يوقفه و لو قليلا عن ما يفعله،و كأن الكدمات لم تكن تأثر فيه حتى.

بعد 30 دقيقة كاملة،توقف نيكولاس فجأة عن الضرب و الصراخ،تنفسه متقطع،واضعا قبضتيه الدامتين على وجهه.

المنطقة التي كان يضربها كانت مهشمة،مليئة بدمائه.

اقترب العجوز ناحيته ببطئ،و الالم والحسرة منحوتان على وجهه.

وضع يده على كتفه بتردد،قائلا فيما بعدها بنبرة حسرة"نيكولاس..."

لم يبد الاخير اي حركة او ردة فعل،فقط الصمت و المعانات.

"ما بال كل هذا الصراخ ايها العبيد؟نحن نتلقا شكاوي بسببكم"

التف العجوز في صدمة للوراء،ليجد 3 من الحراس،يتوجهون ناحيتهم،و الواضع عليهم الغضب.

تقدم احد الحراس ناحية العجوز،بينما بدأ بقية السكان بالابتعاد عنه.

ليقول له بعدها بنبرة متكبرة"ايها العبد،اشرح لي ما سبب كل هاته الجلبة"

العجوز تجمد في مكانه، عيناه ترتعشان من الخوف والحيرة، لكنه حاول أن يقاوم الرعب الذي اجتاحه.

 استند إلى عصاه بقوة أكبر، وهو يواجه الحارس الذي تقدم نحوه ثم قال بصوت مرتجف "لا... لا جلبة، يا سيدي،مجرد... مجرد نزاع صغير بين الشباب. لن يتكرر."

لكن الحارس بدا غير مقتنع اطلاقا،اقترب أكثر، ووضع يده الثقيلة المكسوة بالقفازات على كتف العجوز، مشددًا قبضته بقوة،مهددا اياه"نحن لسنا بذالك الغباء ايها الفأر القديم،لذا من الافضل لك ان تقول الحقيقة،او سينتهي بك الامر مثل من في هاته الشجرة"

نظر الحارس لوراء العجوز،ليجد نيكولاس المنهار على الارض،صامتا كالعادة،من ما اثار استغرابه"مهلا لحظة!من هذا العبد الجديد؟لا اتذكر انني رأيته في اي مكان"

ليقوم بعدها بدفع العجوز،مسقطا اياه على الارض،ليبدأ مباشرة بالانين من الالم،بينما يمسك قدمه محاولا تخفيف المها.

اقترب الحارس اكثر نحو نيكولاس،ناظرا اليه بإستصغار،ليصرخ عليه بعدها محاولا اخافته"قم على قدميك ايها العبد الجاهل!"

لكن نيكولاس لم يبده اي اهتمام،و كأنه لم يسمعه اصلا،من ما اثار غضب و انزعاج الحارس.

رفع الحارس يده في الهواء،ليقوم بعدها بصفع نيكولاس بكل قوته على رأسه،ليقول بعدها بنبرة اكثر غضبا"الم تسمعني ايها الحقير؟قلت لك انهظ _من_الارض"

فور انتهاء الحارس من كلامه،بدأ نيكولاس بلف رأسه ببطئ ناحيته، حتى التقت عيناهما مع بعضهما البعض،ليحس الحارس بالصدمة فور رأيته له.

عينا نيكولاس، رغم الدموع التي غطتهما، كانتا مشتعلتين بنار لم يرَ الحارس مثلها من قبل. كانت مزيجًا من الكمد العميق والغضب الجامح،و وجهه محمل بغضبٍ متوحش يتدفق من أعماق روحه المكلومة المصبوغ بإحمرار دمه الساقط.

رمقه الحارس بإشمئزاز ليسخر منه قائلا"ما بال حالتك المقرفة هاته ا_"

و قبل ان يكمل نصف كلامه حتى،انقض نيكولاس عليه كحيوان مفترس انقض على ضحيته.

اسقطه على الارض بعنف،و سحب خوذته من على رأسه في خفة كاشفا عن رأسه العاري.

رفع يده بالهواء لأقصى ما يمكن،بينما يعض شفتيه بغضب عارم،و في ثوانٍ معدودة اخرج اصبعيه من تكوينة قبضته.

و بكل حقد و عصبية،ادخل اضافره الحادة في عيني الحارس.

صرخ الحارس بألم رهيب، صوت يمزق الهواء كالصاعقة، بينما حاول التحرك بعنف للإفلات من قبضة نيكولاس. دماء حمراء غزيرة بدأت تتدفق من عينيه اللتين كانتا تتألمتان تحت أظافر نيكولاس الحادة،التي كانت مدفوعة بغضب عارم لم يعد يعرف حدودًا.

في الوقت زاته كان زملائه الحراس يراقبون المشهد في صدمة ممزوجة بالرعب.

و على حين غرة امسك نيكولاس بخوذة الحارس،رافعا اياها للأعلى بعصبية،ليقوم مباشرة بإنزالها على رأسه بكل ما اوتي من قوة،كررًا هذه العملية عدة مرات بلا رحمة. مع كل ضربة، تشوه رأس الحارس أكثر، والدماء بدأت تناثر حول المكان، تلوث الأرض والشجرة الميتة، حتى تحولت إلى مشهدٍ مروعٍ من العنف والدمار.

بهذا، شهد الجميع لأول مرة منذ تأسيس هذا المكان، عملية قتل علنية لأحد الكاتوران، حدثٌ هزّ أركان الصمت والخوف الذي ساد لسنوات، معلنًا بداية تحولٍ غير متوقع في مسار الأحداث.

(يكمل...)

لا تنسو الصلاة و السلام على رسول الله

+من فضلكم اكتبو تعليقات

More Chapters