LightReader

Chapter 6 - Chapter Six: Shadows of the Rift

عادت الفرقة إلى مكة، وقد غطت الرماد دروعهم، لكنّ ثقلًا هائلًا كان يثقل كاهلهم يفوق بكثير غبار الأرض. تحت ضوء القمر الشاحب، بدت المدينة المقدسة وكأنها منحوتة من الملح، باردة، صامتة، لا يُسمع فيها سوى أنين خافت يتسرب من بين جدران البيوت المنهارة. كان السلطان، بشعره الأبيض الذي يعكس ضوء القمر ويشعّ بوهج فضي غريب، يسير في أروقة القلعة بخطوات ثقيلة. لم تفارق يده مقبض سيفه، وعكست عيناه الزرقاوان الموت الذي شهده في الكادية: بشرٌ تحوّلوا إلى حجر، وصمتت صرخاتهم تحت حراشف رمادية.

في أعماق القلعة، حيث تفسح الممرات الحجرية المجال لأقبية محظورة، كان الشيخ عبد الرحمن ينتظر. كانت الغرفة تفوح برائحة الرق القديم والمسك الخام. وفي وسطها طاولة حجرية ضخمة، عليها المجلد السماوي المحفوظ. لم يكن كتابًا عاديًا؛ فقد صُنع غلافه من جلد لا تراه عين بشرية، وصفحاته منسوجة من ضوء متكسر.

"اقترب يا سلطان،" تردد صوت الشيخ كأعماق كهف. "لقد عدت من الكادية بروح متغيرة. الأرض تتحدث إليك الآن، أليس كذلك؟"

وقف السلطان أمام المجلد، وشعر بحرارة ختم النار تكاد تحرق درعه، بينما تجمدت ذراعه اليمنى، التي تحمل ختم الماء، فجأة. وضع يده المرتجفة على الصفحات، وفي تلك اللحظة، لم يقرأ كلمات - بل رأى رؤى.

رأى الأرض قبل الخروج، نسيجاً واحداً متصلاً من العهد الأبدي. ثم رأى يداً سوداء ضخمة، مخالبها مسننة كخناجر الجمشت، تمزق النسيج.

همس سلطان، وعيناه الزرقاوان تفيضان بدموع حارقة: "هذا هو الصدع يا شيخ. إنه ليس زلزالاً، إنه هجوم."

أومأ الشيخ ببطء. "إنه قطع الصلة بين السماء والأرض. هذا المجلد ليس للقراءة، بل هو مرساة. تقول النبوءة إن من مسّهم العنصران سيقرأون ما بين السطور ويجدون الكلمات لإصلاح النسيج الممزق. اقرأ يا سلطان. العالم ينزف."

توهجت الحروف أمام السلطان، متحولةً من حبر أسود إلى خيوط من نور وماء ونار. قرأ عن الأباطرة الساكنين في الفراغ بين العوالم، وعن الراكساسا الذين يتغذون على خوف البشر، وعن ليليث التي تنسج خيوط الفساد من دماء الخونة. انحبس أنفاسه حين اكتشف هامشًا خفيًا.

"والظل الذي يحرس النور هو النصل الذي قد يُذبح عند الغسق."

وفي مكان آخر من القلعة، انحدر خالد إلى جحيمه الشخصي.

لم يكن نومًا، بل غطسة في هاوية لا قعر لها. وجد نفسه واقفًا في بحر من الدم الأرجواني، والسماء فوقه تنشق لتكشف عن عيون حمراء هائلة، تراقب كل حركة يقوم بها. ومن الظلال، برزت شخصية عملاقة، ترتدي تاجًا من عظام ملكية وعباءة من دخان لا نهاية له - أحد أباطرة الشياطين.

"خالد..." تحطم صوت الكائن كزجاج في القلوب. "يا ابن الظل في أرض النور. أتظن أن هذه المهزلة التي تسميها "أخوة" ستحميك؟ انظر إلى يديك."

نظر خالد، فارتدّ مذعوراً. لم تعد يداه بشريتين، بل كانتا مغطيتين بحراشف سوداء تلمع بضوء سام، وأظافره طويلة كالمخالب التي تشبه مخالب هدار. صرخ، لكن صرخته خرجت كزئير وحشي.

"أنت لستَ منهم،" تابع الشيطان وهو يمرر يده الجليدية على شعر خالد الأسود. "أنت تنتمي إلينا. دمك يغلي بقرون من الكراهية، وظلك ليس مجرد قوة، بل هو ممر. سيتخلى عنك السلطان عندما يرى حقيقتك، ويحرقك بنوره، ويطهر الأرض من فسادك. تعال إلينا... يا بني."

استيقظ خالد على صرخة مكتومة، يتصبب عرقًا كالمطر. كان الظلام في غرفته يتحرك ككائن حي، يلتف حول سريره. كانت يداه طبيعيتين، لكن بردًا قارسًا تسرب إلى ذراعه اليمنى. نهض، واتجه نحو النافذة المطلة على فناء القلعة، فرأى السلطان في الأسفل، وشعره الأبيض يلمع تحت ضوء القمر، يتحدث مع ليلى الرياح.

وضعت ليلى يدها على كتف سلطان، فابتسم لها، بابتسامة دافئة لم يرها خالد منذ أسابيع. وخز قلبه خنجر من الغيرة والشك.

همس خالد، وظله يمتد على طول الجدران: "ستأخذه بعيداً عني. وهو النور الذي سيكشف قبحي للعالم".

في الأسفل، وصل صوت ليلى بهدوء. "هناك شيء ما ينمو في هذه القلعة يا سلطان. ليس الصدع، بل خالد. كانت قوته في المسجد غير طبيعية - بدت وكأنها تلتهم المادة نفسها."

زفر سلطان، وعيناه مثبتتان على السماء الملبدة بالمرض. "خالد، أخي... وُلد من رحم الألم في الليلة نفسها. تنبأت النبوءة بظل يحرس النور. ربما هذا هو مصيره."

أجابت ليلى وعيناها العنبريتان تلمعان: "أو ربما هو الظل الذي سيبتلعه. في بلادي، يقولون إن الريح لا تخشى النار، بل الفراغ الصامت. خالد يحمل فراغًا لا يمكن أن يملؤه ماء ولا نار."

لم ينبس السلطان ببنت شفة، مستحضراً الكلمات من الكتاب السماوي المحفوظ. ازداد ثقل القدر عليه مع كل خطوة يخطوها نحو دوره كالمختار من النبوءة، مبتعداً عن البراءة، مبتعداً عن أخيه.

أمضى الليل يتدرب وحيدًا، يلوّح بسيفه حتى الإرهاق، وكل ضربة تستدعي عناصر: نارًا لتنير ليل مكة، وماءً لتعزيز القوة. سعى إلى دمج العناصر في بوتقة واحدة، كما تنبأ الكتاب، لكن كل محاولة باءت بالفشل - فقد اشتعلت القوى بداخله بعنف كما تصطدم القارات خارج المدينة.

مع بزوغ فجر يوم جديد، التقى الأبطال الثلاثة بصقر والشيخ عبد الرحمن عند بوابة القلعة. كانت تنتظرهم مهمة جديدة: قافلة من الحجاج والعلماء الغربيين تتعرض لهجوم في تلال مكة. لم يكن مهاجموهم من البشر ولا من الكائنات الشيطانية، بل كانوا فرسانًا يرتدون دروعًا سوداء لا تعكس أي ضوء، خدامًا لقوة غامضة تتحرك في الأراضي القاحلة.

قال صقر وهو يسلم سلطان الراية الحمراء لمكة: "اذهب، وابحث عن حقيقة ما حدث لتلك التلال. الأرض تتكلم... وما ستراه لن يرضي أحداً".

انطلق السلطان وخالد وليلى برفقة فرقة صغيرة من فرسان مكة المدرعين بالذهب. نظر خالد إلى القلعة، فرأى غرابًا أسود ضخمًا يحوم حول برجه. شعر السلطان بقشعريرة تسري في جسده، وهو يراقب أخاه يسير في صمت، متسائلًا: هل سيعود الجميع، أم أن الصدع سيُريق دماء الأخوة؟

ساروا تحت شمس حارقة ذات صوت معدني. تشققت الأرض تحت حوافر الخيول كقطعة قماش ممزقة. فجأة، توقف سلطان: في الوادي، كانت القافلة الغربية محطمة. عربات مقلوبة، وخيول مذبوحة بدقة وحشية، لكن لم يبقَ أي جثث بشرية - فقط بقع سوداء لزجة، تفوح منها رائحة القبور.

همست ليلى وهي تنزل عن حصانها: "لا دم أحمر. هذا هو عصارة الظلام. هؤلاء القتلة ليسوا من هذا العالم."

انبثقت ظلال طويلة من صخور شاهقة، مستقلة عن الضوء. ظهر فرسان سود، دروعهم كزجاج محروق، وخيولهم الهيكلية محاطة بدخان أرجواني. كان القائد يرتدي خوذة ذات قرون، ويحمل رمحًا ينبض بضوء خافت.

استلّ السلطان سيفه، وتوهج شعره الأبيض بوهج إلهي. "باسم رب مكة وحارس عهدها، انسحبوا إلى جحوركم!"

ضحك الفارس الأسود - ليس من حنجرته، بل من الأرض نفسها. "لقد مات العهد، يا من مسّتك النبوءة. لقد جئنا لأخذ ثمنه."

اندلعت المعركة بضراوة غير مسبوقة. لم تكن هذه وحوشًا عادية؛ أحرق السلطان الهواء بنار، وأغرق أرواحهم بالماء. وسط الفوضى، اندفع خالد نحو الفارس المتقدم - وتفاعلت ظلاله مع ظلال العدو بطرق مرعبة. لم يكن يقاتلهم - بل كان يمتص قوتهم.

رأى السلطان عيني خالد تتحولان إلى اللون البنفسجي، فتملكه الخوف. صرخ: "خالد! لا!"، لكن خالد لم يسمعه. كان غارقًا في كابوسه، يتذوق طعم السلطة لأول مرة.

More Chapters