الضباب يزداد كثافة، البحر يختنق بسكونه، والسفينة تتمايل ببطء وكأنها مراقَبة من شيء غير مرئي. الطاقم متجمع حول النار الصغيرة، والعيون متوترة بين النقوش الغامضة والصمت الساحق.
غاروك "كاسر المدّ" ثالث رجل في الطاقم، مقاتل ضخم الجثة يحمل ندوبًا كخرائط حروب سابقة، عيونه تلمع بصرامة المحاربين (يشد قبضته على مقبض سيفه، صوته منخفض لكنه ثقيل):
"هذه الجزيرة... كأنها تتنفس. كلما تقدمنا فيها، أشعر بعيون خفية تراقبنا."
سيلين "عين البحر" ملاحة السفينة، شابة ذات ملامح هادئة لكنها عيونها أشبه ببوصلة لا تخطئ، اعتادت قراءة النجوم والبحار (تتأمل الصخرة التي جلبوها، تمرر أصابعها على نقوشها):
"النقوش ليست من صنع هذه الجزيرة... إنها أقدم من ذلك بكثير. لقد سمعت عنها في أساطير البحّارة العجائز."
غاروك (ينظر إليها بريبة):
"أين؟"
سيلين (تخفض عينيها، صوتها يرتجف):
"في القصص القديمة... يُقال إن هذه الرموز تعود لمملكة أشاتار."
الطاقم (معًا بدهشة):
"أشاتار؟!"
ريكو ناب (يظهر هدوءه الجليدي، عينيه كأنها تلمعان وسط الضباب):
"أجل... أشاتار. المملكة التي وُصفت بأنها مركز العالم قبل أن يبتلعها الغموض."
قبل أن يكمل، تهتز أشرعة السفينة فجأة مع هبوب ريح باردة، وتشق الضباب خطوات ثقيلة. صوت حذاء معدني يضرب أرض السفينة بانتظام، كأنه نذير قادم من زمن آخر.
يدخل القائد داركنس – رجل مهيب الطلعة، طويل القامة، كتفيه يكسوهما معطف أسود مهترئ على الحواف، عيناه كجمرتين تتوهجان من تحت ظل القبعة، وصوته عميق يجلجل كالرعد المكتوم – يتوقف أمام النار، يمد يده إلى النقوش المنقوشة على الصخرة، يلامسها بحذر كمن يقرأ تاريخًا محفورًا في العظم.
داركنس (بصوت غامض، كل كلمة منه تسقط بثقل):
"أشاتار... لم تكن عظمتها في جيوشها أو قصورها... بل في شيء لم يعرفه العالم إلا هناك. الأحجار العجيبة."
الطاقم يحدق فيه في صمت، وكأن كل نفس محبوس.
داركنس (يتابع، صوته يختلط مع صرير الخشب):
"أحجار لا تُكسر ولا تُصهر... ولا تخدش حتى بأقسى السيوف. أحجار تبتلع أثر الزمن فلا تبلى، وتحفظ النقوش والطلاسم إلى الأبد... ذاكرة خالدة لا تُمحى. بعضُها يصدر ذبذبات غامضة، مفاتيح لفتح تقنيات أو أسرار دفنتها أشاتار بعيدًا عن الطامعين."
سيلين (تبتلع ريقها، بصوت مبحوح):
"لقد سمعت أن هذه الأحجار استُخدمت لبناء المكتبات الأبدية..."
داركنس (يومئ برأسه ببطء):
"صحيح. مكتباتهم لم تُمحَ مع الزمن. مدنهم شُيدت بأعمدة سماوية من تلك المادة، فبقيت شاهدة على خلودهم. وتاج الخان الأعظم... كان يحوي قطعة نادرة منها، حجرًا يشع بضوءٍ أزرق، رمزًا للسيادة الأبدية."
غاروك (يضرب الأرض بقدمه بقلق):
"أنت تتحدث وكأنك رأيتها بعينيك!"
داركنس (يبتسم ابتسامة باردة، عيناه كأنهما تكشفان ما وراء القرون):
"أنا لم أرَها فقط... بل سمعت صدى قوتها. أهل أشاتار لم يعتبروا تلك المادة حجرًا عاديًا... بل لغة الخلود نفسها. فما دُوّن عليها لم يندثر أبدًا. أشاتار لم تُبنَ لتعيش... بل لتبقى."
صمت ثقيل يخيّم. النار تضعف، والبحر يهدر فجأة وكأنه يثور. الضباب يزداد حدة، ثم تهتز السفينة بعنف أشد من قبل، حتى كاد الخشب ينشق.
ريكو ناب (يتقدم بخطوات ثابتة، ينظر إلى داركنس):
"إن كنت تعرف سر هذه الأحجار... فهذا يعني أن رحلتنا الآن لم تعد مجرد مغامرة. نحن نخوض حربًا مع التاريخ ذاته."
داركنس (بصوت أشبه بالحكم):
"أجل... من يقترب من حجر أشاتار، لا يعود كما كان. إما أن يخلده... أو أن يبتلعه."
المشهد يُغلق على وجوه الطاقم: الخوف مشتبك بالفضول، والسفينة تهتز كأنها تُقاد نحو مصير محتوم، فيما اسم "أشاتار" صار يرن في الهواء مثل لعنة أُطلقت للتو